قراءة الوحي والکون: رؤية مقاصدية لرسالة المتدینین
الأستاذ عبد الرحمن بيراني، الأمين العام لجماعة الدعوة والإصلاح، شرح مكانة القرآن الكريم وتطبيقات فقه المقاصد وأهميته، وذلك في حفل تكريم أعضاء المجلس المركزي ومسؤولي الجماعة في الفترة السابقة، والذي أقيم في 11 یونیو 2025 .
طهران - موقع إصلاح
كلمة الأمين العام لجماعة الدعوة والإصلاح في حفل تكريم أعضاء المجلس المركزي ومسؤولي الجماعة في الفترة السابقة:
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله والصلاة والسلام علی رسول الله وعلی آله وأصحابه ومن والاه.
«رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»
السلام علیکم ورحمة الله وبركاته
بدايةً، أود أن أتقدم إليكم أيها السادة الكرام بأحرّ التحيات وأصدق التهاني بمناسبة عيد الأضحى المبارك، آملاً أن يكون هذا اليوم العظيم مليئاً بالخيرات والبركات والقرب الإلهي والتوفيق في جميع مراحل الحياة.
أشكركم على حضوركم في هذا الملتقى الروحي، وأُشيد وأُثمّن بصدق جهودكم ومساعیکم النبيلة في سبيل الدعوة والإصلاح، وخاصةً بعد المؤتمر الخامس. أسأل الله تعالى أن يُكتب هذه الخدمات في أعمالكم، وأن يكون سبباً في توفيقكم ونجاتكم يوم القيامة.
أبدأ كلمتي بإلهام من الآية الأولى من سورة هود، وهي:
«الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ»
تُقدم هذه الآية صورةً للقرآن الكريم ككتابٍ متماسكٍ حكيمٍ هادف، آياته متينةٌ رصینة ليس فقط من حيث الألفاظ، بل أيضًا من حيث المضمون، مُرتبةٌ ومُفسرةٌ بشكلٍ دقيقٍ وحكيم.
القرآن كتابٌ يكشف سر العالم من بدايته إلى يوم القيامة، ويشرح دور الإنسان في الكون، ويُحدد استراتيجيةً وهدفًا للحياة الفردية والاجتماعية.
قال بعض العلماء: إن كل دينٍ سماويٍّ حقٍّ يجب أن يُجيب على الأسئلة الأساسية حول العالم، وأصله ونهايته، ودور الإنسان ومسؤوليته فيه ونهايته بشكلٍ واضح. وقد أدى القرآن الكريم هذه المسؤولية بشكلٍ جيد، ليس فقط مُستجيبًا لحاجات عصر الوحي ومتطلبات المخاطبين في تلک الفترة، بل أيضًا كونه دليلًا ومُرشدًا لجميع الأزمنة والأماكن والأحوال والأحداث والقضايا المُستجدة للبشرية.
الجزء الثاني: أنزل الله تعالى قرآنين لهداية البشرية:
القرآن المكتوب (الوحي): كتاب الهداية والمعجزة الخالدة.
والقرآن (المعنى): كتاب الخلق والآفاق والأنفس.
كلا الكتابين من عند الله، وكلاهما واجب التلاوة. فإذا تلونا القرآن المكتوب بتأنٍّ وتدبرٍ وتخصُّص، سندرك أيضًا دلائل عظمة قدرة الله في الآفاق والأنفس، وصدق دين الإسلام الواضح.
كما جاء في الآية 53 من سورة فصلت:
«سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ»
يتناول الجزء الثالث من کلمتي الترابط الوثيق والانسجام التام بين القرآن المتلو والقرآن المقصود والفطرة. فطرة الإنسان هي النواة المركزية والرابط بين القرآن المتلو والقرآن المقصود ونظام الوجود وهذه العناصر الثلاثة متناغمة ومتكاملة. ومن الجدير بالذكر أن هذا الانسجام الثلاثي يوفر مساحة وسياقًا مناسبين للفهم والإدراك الصحيحين للدين والتعاليم الإلهية، وللکون والإنسان ودوره ورسالته الأصلية.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن العالم، كالقرآن الکریم، له يقينيات (ثوابت) ومتغيرات (متغيرات). وهذا التقسيم يشكل أساس فقه المقاصد.
فقه المقاصد مفتاح ديني وجسر موثوق بين الوحي ونصوص القرآن والسنة، وبين الحقائق والحاجات والأحوال التي تحكم حياة الإنسان في مختلف الأزمنة والأماكن إلى يوم القيامة. وفي المنظومة الفكرية للمفكرين كالإمام الشاطبي وابن عاشور، وفي العصر الحديث الريسوني وطه جابر العلواني، فإن الفقه المقاصدي أداة دينية ومعاصرة لربط الوحي الإلهي السنن الإلهیة في الطبيعة، والاستجابة لحاجات المجتمعات المتغيرة، واكتشاف المقاصد الخفية في الأحكام الشرعية في مختلف الظروف والأحوال.
يقول الأستاذ طه جابر العلواني: "إن بناء العقل الفقهي، العقلاني، التفسيري، القادر على البحث في القوانين الكونية، وقوانين الخلق، ومقاصد الکون، ينبغي أن يكون الهدف الأسمى".
أي أن هذا العقل الفقهي يجب أن يكون قادرًا على ربط أحكام الشريعة بالسنن الإلهية ومقاصد الخلق.
الجزء الخامس والأخير: لديّ اقتراحان استراتيجيان للمسار المستقبلي للجماعة:
1. التركيز الاستراتيجي على الفقه المقاصدي:
لأن هذا الفقه يمكن أن يكون ركيزة العمل الديني للجماعة، ويستجيب بشكل صحيح للظروف المحلية واحتياجاتنا الوطنية؛ كما أنه يمكن أن يمهد الطريق لوحدة الأمة الإسلامية وتقاربها، ويتجاوز الخلافات وضيق الأفق والتحيزات الدينية. يجب أن يكون الجماعة رائدًة ونموذجًا للخير في هذا المجال.
٢. إحياء السجل الحضاري والتاريخي لبلدنا إيران:
لدينا تراث فكري وثقافي قيّم وثمين من علماء الحديث والمفسرين والفقهاء والكتاب والأطباء والشعراء والفلاسفة والعلماء والمخترعين العظام؛ لذا، من المناسب التأمل بجدية في هذه الثروات والمخزون الحضاري والثقافي الملهم المرشد الذي يُعدّ، من جهة، تكريمًا للعظماء، ومن جهة أخرى، يُتيح فرصًا وقدرات جديدة للجماعة، ويُرسي أساسًا لأدب مجتمعي أفضل وأكثر محلية.
الكلمة الأخيرة:
يجب أن نتجاوز حدود الانتماءات العرقية والدينية والتنظيمية فرغم محدودية جماعة الدعوة والإصلاح في إيران من حيث العدد والكمیة، إلا أنها تتمتع بمكانة مرموقة من حيث الکیفیة ومستوى الفهم والمعرفة والأخلاق، مما يُمكن أن تكون مصدرًا لتأثيرات روحية مهمة في المجتمع. نأمل، بعون الله تعالى، وبالتركيز على فهم المقاصد، أن نوفق إلى ربط صحيح ومعاصر بين الشرائع والسنن الإلهية بالقرآن والسنة، وأن نكون فاعلين في مسيرة عمارة الأرض وازدهارها، وتحقيق العدل.
وَفَّقَنَا اللّهُ لِمَا يُحِبُّه وَيَرْضاهُ.
الآراء